الصرع الجني إليك أقوى الأدلة على تلبس الجن بالإنس

قبل الحديث عن أدلة تلبس الجن بالإنس لا بد من التذكير بأهم النقاط الواردة في هذا المقال وهي :
- أدلة تلبس الجن بالإنس .
- الأدلة من القرآن .
- الأدلة من السنة .
- أسباب وقوع الصرع والمس الشيطاني .
- أقوى علاج للمس والصرع من السنة .
كثر الحديث عن المس والصرع بين العلماء والرقاة الشرعيين كما بَيْن الناس عامة ، وهناك من قال بوجوده ، وأن الجن يدخل بدن الإنسان، بينما هناك طرف آخر ينفي ذلك ، وقد انتشر هذا المرض في أوساط شرائح من المجتمع سواء كانواْ كبارا أو صغارا ، ذكورا وإناثا .
وبالرغم من إشاعة هذا المس والصرع ، إلا أن بعض الأطباء ينكرون ذلك، علما أنهم لم يستطيعواْ علاج هذا النوع من المس باستثناء الصرع المعروف طبيا، وللفصل في هذا الإشكال هو: أن البعض لم يفرق بين الصرع الجِني والصرع الطبي فحدث له خلط بين الصرعين.
ونحن هنا لسنا للحديث عن الصرع الطبي، لأن هذا متروك للمتخصصين من الأطباء، بينما هدفنا هنا هو الحديث عن الصرع الجني أو ما نسميه بالمس الشيطاني، وسنشير إلى أدلة دخول الجن بدن الإنس وهو الذي نراه صائبا ويتماشى ومنهج أهل السنة والجماعة عكس ما يدعيه بعض الطوائف كالمعتزلة من كون الجني لا يدخل جسم الإنسان .
أقوى الأدلة على تلبس الجن بالإنسان :

ذهب هؤلاء العلماء إلى أن دخول الجن جسد الإنسان واقع وصحيح؛ ومن هؤلاء: الشيخ ابن تيمية، بل نقل الإجماع عن جميع أهل العلم، واستدلواْ على موقفهم هذا بمجموعة من الأدلة القوية منها ما يلي :
الأدلة من القرآن الكريم :
- أقوى دليل يذكره العلماء عند تلبس الجن بالإنسان ما ورد في سورة البقرة (275) : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
وهذه الآية فيها تشبيه لحال المرابين بحال الإنس الذي أصابه الشيطان بمسن فدخل جسده، ومن ثمة يصيبه الصرع والجنون .
ومن الذين أنكرواْ مس الجن للإنس الزمخشري الذي قال بأن: مس الجن للشيطان باطل؛ لأنه لا يقدر على ذلك، وذهب إلى أن ذلك من زعمات العرب – أي من كذبهم وخزعبلاتهم التي لا أساس لها من الصحة – فيقولون: رجل ممسوس بمعنى مجنون، وقال : وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات. لكن القرطبي تصدى لزعم الزمخشري وما ذهب إليه فرد عليه بالآية السابقة وأنها دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من الجن..
- ومن الأدلة القوية أيضا على مس الشيطان للإنسان قوله تعالى في سورة الأعراف (201): (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ).
ومن العلماء من فسر ذلك المس بمس الشيطان أو بالصرع ونحوه..
أدلة السنة النبوية :
هناك مجموعة من الأدلة في السنة النبوية تدل دلالة قاطعة على تلبس الجن بالإنس ومن ثمة إصابته بمرض الصرع الجني، وسأذكر هنا أدلة صحيحة وقوية في هذا الموضوع وهي:
- الدليل الأول : ما رواه البخاري أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان فِي المَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ، فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ، وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا، فَلَقِيَهُ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَجَازَا، وَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ»، قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا».
ولقد استدل العلماء بهذا الحديث على أن الجِنِيَّ قادرٌ على دخول جسد الإنسان ومن هؤلاء العلماء الذي تمسكواْ بهذا الدليل المذكور : ابن تيمية رحمه الله في كتابه الفتاوى ، وابن حجر العسقلاني ( 822ه) في كتابه المسمى بذل الماعون وابن حجر الهيثمي أيضا، والقرطبي في تفسيره للقرآن الكريم ، بل ذهب النووي رحمه الله تعالى أن بعض علماء الشافعية استندواْ لهذا الحديث بأن الله تعالى أعطى للشيطان قدرة تمكنه من الجري في باطن الإنسان ومجاري دمه.
- والدليل الثاني من السنة النبوية أيضا؛ ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا .
قولها (أصرع) بمعني يصيبني الصرع ، ويظهر من خلال هذا الحديث أنه يمكن أن يكون هذا الصرع صرعا طبيا ويمكن أن يكون الصرع بسبب إيذاء الشياطين الجن للإنس، لكن ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري أشار إلى أن الذي كان بالمرأة صرع الجن لا من صرع الخلط، واستند إلى قوله هذا إلى الطرق المتنوعة التي جاء بها هذا الحديث النبوي. وقولها: (أتكشف) بمعنى أخشى أن تظهر عورتي للناس وأنا لا أشعر.
- الدليل الثالث: وعن أبي سعيد قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب)).
ويشير ابن حجر أن المراد هنا بالدخول الدخول حقيقة، وإذا ذكر المتثائب الله ووضع يده في فيه، لن يتمكن الشيطان من الدخول فيه، ولا فرق بين الذي يصلي ويتثاءب والذي لا يصلي.
- الدليل الرابع : والدليل الرابع ما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وهمزه، ونفخه، ونفثه))
المنكرون لحدوث المس والصرع للإنسان:

بعدما ذكرنا مجموعة من الأدلة للقائلين بوقوع المس الشيطاني وأن الجن يدخل جسم الإنسان، هناك مجموعة أخرى غير أهل السنة والجماعة تنكر وقوع دخول الجن جسم الإنس وهم طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما كما ذكر ابن تيمية في فتاويه رحمه الله، رغم أنهم لم ينكرواْ وجود الجن.
أسباب حدوث المسّ الشيطاني
هناك مجموعة من أسباب تؤدي إلى حدوث المس الشيطاني نذكر منها ما يلي :
- السحر :
لا يخفى على كثير من الناس أن من أسباب حدوث المس الشيطاني هو بالدرجة الأولى: السحر، فالمس من آثار السحر ، فالسحر هو الذي يَجْذب ويجر شياطين الجن، وهي الطريقة الأقوى لدخول الجن لجسم البشر فيتم الاعتداء عليه.
- العين :
ومن أسباب المس والصرع الجني الإصابة بالعين ، فهي قد تسبب آثارا للمصاب كما يحدث لمن أصيب بالسحر، فقد تكون العين بابا تدخل منه الشياطين لإيذاء الإنس . وإذا قدر الله أن أصيب الإنسان بالعين فما عليه إلا أن يرقي نفسه أو يرقيه شخص آخر يثق به ، ولمعرفة طريقة الرقية الشرعية وما يقال فيه يُقرأ هذا الموضوع في موقعنا : الرقية الشرعية من العين والحسد و السحر.
- غياب الأذكار والأدعية المشروعة :
لكي يتجنب الشخص هذا المرض ما عليه إلا أن يلتزم بالأذكار والأدعية المشروعة فكثير من الناس لا يلتزمون بالأذكار الصباحية والمسائية ربما ينسونها أو يتهاونون عنها مما قد يعرضهم لشياطين الجن . فقول ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) مائة مرة في الصباح ، ومائة أخرى في المساء تكفي الشخص لتكون له حرزا من الشيطان كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
- إلحاق الضرر بالجن :
فقد يقدم الشخص على فعل ما أدى إلى غضب بعض الجن، ما جعلهم ينتقمون من صاحب الفعل كإيذاء بعض الحيوانات وربما كان ذلك سببا يجعل الجن تمس الشخص بالإيذاء بسبب ما فعل .
- دخول الأماكن المهجورة :
فالشخص الذي يدخل الأماكن الخربة والمهجورة ولا يذكر الله تعالى سيعرض نفسه للخطر، وهو أن يمسه شيطان من الجن ويلحق به الضرر ، وهذه الأماكن الخربة يسكنها الجن بالكثرة من غيرها.
- ترك الاستعاذة :
قد يدخل الشخص إلى المرحاض أو الحمام وهو لم يستعذ من الشياطين كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم به (عَنْ أَنْسٍ – رضي الله عنه – قال: كَانَ رَسُولُ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) ، والمقصود بــ (الخبُث) ذكران الشياطين، و(الخبائث) إناثهم. فكَأنه عليه السلام استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم. فربما ينسى الشخص هذا الدعاء فيصيبه مس من الشيطان فتضطرب أحواله نرجو الله السلامة والعافية للجميع .
أفضل علاج للمس والصرع
يمكن استخراج فوائد مهمة من الحديث السابق الذي ذكرناه (عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا ) أن المصاب بالصرع يحسن له الصبر على التداوي وأخذ العقاقير، لأن ذلك من نتائجه ومقاصده الكبرى الفوز بالجنة يوم لا ينفع مال ولا بنون .وخاصة إن قدر الشخص ورأى من نفسه التحمل والصبر على الشدائد.
كما أن في الحديث فائدة أخرى لمن أرداء الشفاء من الصرع أو من مس الجن وهو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، وهذا أفضل طريقة لعلاج مرض الصرع، وقد وقعت قصص كثيرة، فقد ترك الناس التداوي وأخذ العقاقير والتجأواْ إلى الخالق سبحانه وتعالى فظهرت عجائب قدرته تعالى في الشفاء . إلا أن المريض لا بد أن تكون له قوة إيمانية أما إن كان ضعيف الإيمان أو اختلطت قدرة الله تعالى بشفائه بشك من عنده فلا أظنه يحصل على مراده بسبب ضعفه إيمانه وعدم يقينه بالله تعالى .