الجن والشياطين

الأدلة على وجود الجن وصفاتهم و أسمائهم

     إن الحديث عن الجن هو حديث عن عالم آخر غير عالم الشاهدة ، وهو الانتقال من عالمنا هذا إلى عالم آخر أكثر تعقيدا ، مما جعل الكثير من الناس يتحدثون عنه بشكل مختلف فيدلي كل بدلوه فيه ، علما أن الرضوخ إلى القول الصائب لمعرفة هذا العالم، يبقى في قوة الحجج والبراهين ، وعليه سنبين لك أيها القارئ مجموعة من الأمور المتعلقة بعالم الجن من خلاق النقط الآتية :

هل الجن موجودون  ؟

      في الحقيقة كثر الحديث عن وجود الجن من عدمه، خاصة في أوساط مجموعة من الناس الذين لا يدينون بالشريعة الإسلامية، وهذا لا غرابة فيه وإنما الغريب في هذا أن ينكر الجن من قِبل المنتسبين إلى الإسلام، وقد ذهب الباقلاني إلى أن كثيرا من  القدرية يثبتون وجود الجن قديماً ، لكنهم نفواْ ذلك فيما بعد، وزعم بعضهم أنهم لا يُرونَ لرقة أجسادهم.. والبعض منهم قالواْ:  لا يُرَوْن لأنهم لا ألوان لهم .

       وقذ ذكر مجموعة من العلماء أن كثيرا من المعتزلة ينكرون وجود الجن، وهو ما ذكره الجويني رحمه الله، رغم أن نصوص القرآن الكريم واضحة في هذا الشأن في إثبات الجن ووجوده، وهو ما يقتضي العقل بجوازه.

      وما ذهب إليه المعتزلة يخالف ما في الكتاب والسنة كما ذكر ابن حجر الهيثمي ، وذهب محمد رشيد رضا إلى أن الزمخشري ومن معه لم يكونواْ من المنكرين لوجود الجن، وإنما اعتبرواْ الجن من عالم الغيب ليس من عالم الشهادة، ومن ثمة لم يصدقواْ من خبر الجن إلا ما أثبتته نصوص الشريعة الإسلامية، أو مما هو في قوته من دليل الحس أو العقل.

     والذين أنكرواْ وجود الجن يستدلون بمجموعة من الأدلة منها ما يلي :

أدلة على وجود الجن
أدلة على وجود الجن
  • أن معرفة الجن لا يكون إلا بالحس أو المشاهدة أو الدليل، وقالواْ : وليس هناك ما يثبت وجودهم ورؤيتهم بالحس، وكل من قال برؤيتهم وسماع صوتهم من المَجَانِين يتخيل لهم ذلك. وأما الدليل على ذلك بواسطة الأنبياء فيؤدي إلى بطلان نبوتهم، فيقال أن كل ما أتى به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من المعجزات إنما جاؤواْ به بعد عون من الجن ..

      وردَّ على زعمهم هذا أن الأدلة الحسية دلت على أن الجن موجودون، وقد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم كما رآهم مجموعة من الصحابة منهم: عبد الله بن مسعود وأبو هريرة،  وبهذا تضعف حجتهم وتزول .

        وأما الخبر فنصوص القرآن الكريم تُخبر عن صفات الجن وأحوالهم في كثير من المواضع، وليس هناك طريق للطعن في كتاب الله تعالى مهما كان، كما دلت السنة الصحيحة على وجودهم أيضا. وأما القول بأن الإقرار بوجودهم يستلزم إنكار معجزات الأنبياء فغير سليم، لأن المعجزات ليست إلا تأييدا من الله سبحانه وتعالى لأنبيائه حتى تتضح للبشرية صدق نبوتهم، والرسل عصمهم الله من تلبيس الجن والشياطين.

  • أن الجن لو كانواْ بيننا وخالطون ستظهر بعد هذه المخالطة والمصاحبة عداوة أو صداقة، وبالتالي الانتفاع من صداقتهم،  أو وقوع المضرة من عداوتهم،  لكن لم يحصل هذا ولا أثر له.

        وأجيب عن زعمهم هذا أن المخالطة والمصاحبة لا تستلزم حصول الإنسان على صداقة أو عداوة من الجن، فينتج عنها منافع ومضار ، زيادة على أن في السنة ما يدل على أن بعض الجن قد يحصل منها ضرر لبعض ما يكرهون من البشرية ، والرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه عالج بعضا ممن أصيب بالصرع الجني، وهذا دليل على حصول الضرر من الجن للإنس كما ثبت حصول المنافع من بعض الجن لبعض الإنس.

وخير مثال على ذلك؛ قصة الجني الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه لما جاءه ثلاث مرات وعَلَّمه الشيطان ما سيقوله حتى لا يقترب إليه أي شيطان آخر، فعلمه آية الكرسي بعدما قال له : (دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها)  وهذا دليل على أنه قد يحصل نفع من الجني وهو ما يظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة (  أَمَا إِنَّه قَدْ صَدقكَ وَهُو كَذوبٌ ).

  • يقولون أن الجن لو وجدواْ لوجب أن يكونواْ كأجسام لطيفة أو كثيفة، وإذا كانوا أجساما كثيفة لرآهم البشر ، أما إن كانوا غير ذلك كأن يكونواْ لطيفي الأجسام فعند هبوب الريح والعواصف ستتمزق أجسامهم، ولن يكونواْ قادرين على الأعمال الصعبة والشاقة كما قال المثبتون للجن.

     وقد رُدَّ على المنكرين ما ذهبواْ إليه وأن شبهتهم هذه باطلة، لأن الجن يختلفون عن الأمور الحسية التي أمامنا كالإنس والحيوان والنبات وغيرها ، فالجن مجرد عن الجسمية ، وبالرغم من ذلك فهذا لا يمنع من أن يخلق الله فيهم قدرة على التشكل في أشكال متنوعة، وفي السنة النبوية ما يؤيد على أنهم قد جاءواْ في أشكال مختلفة .

      وأما ادعاؤهم بالتمزق عند مجيء الرياح لكونهم أجساما رقيقة، فيرد على ذلك بما أثبت الفلاسفة من كون النار المنفصلة عن الصواعق تدخل في اللحظة اللطيفة داخل الأحجار وتخرج من الجهة الأخرى، وقل هذا أيضا في الحديد، ولما لا يدرك مثل ذلك في هذه الصورة، ويقاس عليه إذن أن الجن قادرة الدخول في أجسام البشرية، وعلى التصرف فيها، وأنها تبقى هناك حية بعيدة عن الفساد والإتلاف إلى يقدر لها الله الخروج منها .

  • أوَّل الملحدون النصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة الدالة على وجود الجن والملائكة إلى تأويلات فاسدة، فحرفواْ بذلك كلام الله تعالى عن موضعه، وهي تأويلات بعيدة عن مقصد الشرع المتمثل في الكتاب والسنة. وبتأويلاتهم تلك أنكرواْ الجن والملائكة بالكلية.  فأشارواْ أن قوى النفس الصالحة هم الملائكة، وقوى النفس الخبيثة يقصد بها الشياطين.

     ويرد على هذه التأويلات أنها تأويلات فاسدة وسببها الانحراف عن المنهج الصحيح ، فأنكرواْ الحق الثابت مع تحريف النصوص الثابتة .

إقرء أيضا:

الصرع الجني إليك أقوى الأدلة على تلبس الجن بالإنس

وخلاصة الأقوال أن الآراء في وجود الجن كالتالي :

  • القول الأول: التسليم بوجود الجن بأدلة القرآن والسنة وهو الصحيح، وهو قول جماعة من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .
  • القول الثاني : قول طائفة من الناس حيث ينكرون الجن كليا، واعتبرواْ  ذلك أرواح الكواكب، ويُنظر ما قاله ابن تيمية في كتابه الفتاوى ( 4/346) في هذا الشأن .
  • القول الثالث : وهي طائفة من الفلاسفة : ترى أن الجن هي نوازع الشر وقوى النفس البشرية الخبيثة مقابل نوازع الخير فيها وهي الملائكة .
  • القول الرابع : وهو قول بعض المحدَثين: أن المقصود بالجن هي: تلك المكروبات والجراثيم والفيروسات التي لا تُرى إلا بالمجهر، بعدما كانت مخفية عن الناس، ولم تظهر لهم إلا بسبب ما وصل إليه الآن العلم الحديث، فاكتشف العلم ذلك بعدما كان غير مرئي بالعين المجردة في القديم .

         والصحيح من هذه الأقوال القول الأول ، وما يقال أن عدم العلم بهم دليل على عدم وجدهم فليس حجة ، ولا يصح ذلك، فلو قال قائل ولماذا أنكر ابن عباس رضي الله عنه مخاطبة رسول الله صلى الله عليه السلام للجن وتكليمهم له؟  فأجيب عن ذلك أن إنكاره هذا مشافهة ليس بإنكار وجود الجن، فهناك فرق بين الاثنين،  وبالرغم من ذلك فأثبت الصحابة الأخرون مشافهة الرسول صلى الله عليه وسلم للجن كابن مسعود رضي الله عنه.

       وعليه، فالصحيح أنهم صنف آخر من المخلوقات خلقهم الله تعالى فكلفهم فهم مأمورون ومنهيون،  ولا يدخلون في صنف الملائكة ولا في صنف البشرية، فهم في عالمهم الثالث لا عالم الملائكة ولا عالم البشرية ليسواْ بالجراثيم والفيروسات وغيرها مما يقال .

مما خلق الجن ؟

وجود الجن
وجود الجن

بما أن عالم الجن عالم لا يُرى، فإثبات كل ما يتعلق بالجن من خلقه وصفاته وأكله وشربه وتناكحه لابد  من الاستناد إلى النصوص الشرعية لإثبات كل ذلك ، ففي معرفة أصل الجن وممن خلق نستعرض مجموعة من الأدلة في القرآن والسنة النبوية لمعرفة أصل الجن :

في نصوص القرآن :

       وقد ورد في القرآن الكريم مجموعة من الآيات الدالة على خلق الجن ووجوده، وإن أكبر دليل على ذلك تسمية سورة بكاملها بسورة الجن وفي سورة الأعراف يقول سبحانه وتعالى في سورة الحجر (27): ((وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ))،

قال تعالى : ((قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )) الأعراف : الآية : 12 وأيضا في سورة ص ( الآية: 76)  : ((قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )).ويقول عز من قائل في سورة الرحمن  (الآية: 15) : ((وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)) وقال النووي : المارج:  اللهب المختلط بسواد النار، وقيل غير ذلك .

     وهذا دليل على أن الجن من خلق الله تعالى خلقواْ من نار بمعنى أن أصلهم من النار، بينما أصل الإنس من الطين الذي يتميز بالأناة والرزانة .. وبمعنى أنهم خلقواْ من غير ما خلق منه الإنس ، كما أن خلق الجان أسبق بخلق الإنس لقوله تعالى ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ)) الحجر 27 . وهناك من حدد المدة التي تفصل بين خلق الله تعالى للجن وآدام لكن هذا ليس عليه دليل يثبت المدة الفاصلة بين الخلقين .

في السنة النبوية :

     ومن بين الأحاديث التي تبين المادة التي خلق منها الجن ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: “خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِن نُورٍ، وخُلِقَ الجانُّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ، وخُلِقَ آدَمُ ممَّا وُصِفَ لَكُمْ” وقوله صلى الله عليه وسلم مما وصف لكم إشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم ، بمعنى من تراب لقوله تعالى في سورة آل عمران ( 59) :

 (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، ثم صُيِّر طينا حيث قال سبحانه وتعالى في سورة (ص)؛ الآية: 71  (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) ثم صيِّر فخاراً من خلال قوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ) سورة الرحمن :14،  وانظر هذا التقسيم المعضد بالأدلة من القرآن الكريم عند القرطبي في تفسيره .

أسماء الجن :

      لقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله أن العلماء وأهل الكلام يفرقون بين مجموعة من العبارات ويقصدون بكل واحدة منها مرتبة من مراتب الجن ، فمثلا إن أرادواْ أن يقصدواْ بالجان الذين يسكنون مع الناس أطلقواْ عليه عبارة عمارا، وإن كان الجن مما يعرض للصبيان سَموه الأرواح ، وإن خبث الجان يسمونه شيطانا، أما إن قوي أمره وزاد على ذلك أطلقواْ عليه عفريت .

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستحدم يبدو ان متصفحك يستخدم احد ادوات منع الاعلانات برجاء اغلاق هذه الاداة او ضع موقعنا على القائمة البيضاء لديك