السحر والعين

كيف تتعلم السحر وآراء العلماء مع ذكر الأدلة الشرعية

سنتحدث في هذا موضوع عن كيف تتعلم السحر ودراسته وقراءة كتبه وآراء العلماء في ذلك، مع ذكر الأدلة الشرعية التي استندوا إليها لنصرة آرائهم، متبعا المحاور الآتي:

اختلف العلماء في حكم من أراد أن يتعلم السحر دون أن يَعْمل به إلى مذهبين:

المذهب الأول :

 هو مذهب الجمهور الذي يُمَثلها أحمد بن حنبل وأبو حنيفة ومالك، حيث يرى هذا المذهب أن تعلم السحر على الإطلاق سواء عُمِل به أو لم يُعملْ به حرام وكفر.

أدلتهم في تحريم كيف تتعلم السحر :

hand 1832921 1920
كيف تتعلم السحر

استند هذا المذهب في تحريم تعلم السحر إلى أدلة من القرآن والسنة النبوية:

ففي القرآن الكريم انطلقوا من قوله تعالى في سورة البقرة (102) :((وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ))؛ بمعنى أن تعلم السحر يضرهم في دينهم، وليس فيه نفع يوازي ضرره. 

وفي قوله تعالى: (( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ )) تعبير على أن السحر كفر، لأن سياق اللفظ يدل على أن المراد منه السحر، بمعنى : وما سَحر سليمان؛ فعبر عنه بالكفر تقبيحًا وتشنيعًا. وكيف للمسلم أن يتعلم شيئا اعتبره القرآن قبيحا وكفرا ؟

 وفي الحديث النبوي عَدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم السحر من الكبائر الموبقات، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم حيث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (( اجتنبوا السبع الموبقات؛ قالوا: وما هن يا رسول الله ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) والحديث كما ذكرت متفق عليه.

المذهب الثاني : كيف تتعلم السحر ليس محظورا كله.

 ذهب هذا المذهب من أصحاب أبي حنيفة إلى أن تعلم السحر ليس محظورا كله؛ بدليل تعليم الملائكة السحر للناس، وإنما المحظور ما يدخل في الشرك ويؤدي بصاحبه إلى الكفر، كالسجود للكواكب أو لصنَمٍ أو باعتقادِ فاعلية الشيطان والكواكب، أو قُصد بتعلُّمه سفك الدماء، أو التفريق بين الزوجين والأصدقاء، كما أن مَنْ تَعَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ كَفَر، فهذا إذن كفر لا يجوز تعلمه.

  وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الذي يعد تعلمه كفرا؛ سِحْرُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ الذي ذُكر في سورة البقرة فَهو كُفْرٌ بِلَا نِزَاعٍ. ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ )).

  وقد ذهب هؤلاء العلماء إلى أن تعلم السحر بنية عدم العمل به، وإنما ليتقي ضرره أو يجتنبه فصاحبه لا يكفر، لكن إنْ تعلمه معتقدا جوازه، أو كانت نيته أن ينفعه السحر فهو كفر؛ ولهذا قال الشافعي رحمه الله: “إذا تعلم السحر قلنا له صِفْ لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يُلتمسُ منها؛ بمعنى يعْتَقد أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فهو كافر. وإن كان لا يوجب الكفر، لأنه إن اعتقد إباحته فهو كافر “. وقال أبو حيان في كتابه البحر المحيط : وما كان من نوع التخييل والدجل، فلا ينبغي تعلمه لأنه من باب الباطل، وإن قصد به اللهو واللعب وتفريج الناس على خفة صنعته فيكره.

وهنا يطرح الشخص سؤالا ويقول إذا كان السحر حراما تعلمه، فلماذا يعلم الملكان السحر للناس؟ فيجاب عن هذا أنهما لا يعلمان السحر للناس للعمل به، وإنما للابتعاد عن ضرره واتقائه، لأن العلم بالشر للزجر عنه حسن. 

وقيل : إن ذلك كان للتمييز بين المعجزة والسحر، ومن ثمة نقرأ في القرآن الكريم أن سليمان عليه السلام كان منزها على أن يوصف بالساحر أو آمرا به، فالله عز وجل إنما سخر الجن للنبي سليمان عليه السلام بأمره سبحانه لا بالسحر كما زعم البعض.

موقف الإمام الرازي من تعلم السحر :

   ولقد ذهب الرازي إلى اعتبار تعلم السحر غير قبيح، من خلال استدلاله بقوله تعالى:(( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ))  (سورة الزمر الآية 9)، إلا أنَّ الذين خالفوه من المعتزلة يمنعون هذا إذا قصد به أنه ليس قبيحا عقلا، أما إن قصد بذلك القبح شرعا؛ فإن الآية الكريمة في قوله تعالى: ((وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ )) ( القرة :102 ) تبشيع لعلم السحر.

   ولقد ردَّ العلماء على الرازي ما ذهب إليه؛ لأن الآية التي استدل بها باعتبار تعلم السحر داخل في عموم ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ))(سورة الزمر الآية 9)، ليس في محله، وهي  الآية التي تمسك بها لنصرة رأيه،  وإنما دَلَّتْ عَلَى مَدْحِ الْعَالمِينَ بالْعِلم الشَّرعِيّ والعلوم الأخرى النافعة، ولا يمكن إلحاق تعلم السحر بالعلوم الأخرى.

   أما المعتزلة فقد أنكروا جميع أنواع السحر إلا سحر التخييل، وهم يقولون : إن السحر لا حقيقة له وإنما هو تمويه وتخييل، وقد كتبنا مقال آخر في حقيقة السحر ينظر في مكانه، ولقد ذهبوا إلى ذلك حتى لا يشتبه النبي بالساحر، وحتى تسلم النبوة بزعمهم، لأنهم يرون أن السحر لو حصلت منه الخوارق لالتبس النبي بالساحر؛ هذا ما يقوله المعتزلة.     

موقف الشيخ العثيمين من تعلم السحر :

document 2178656 1920
كيف تتعلم السحر

    يشير الشيخ العثيمين إلى  أنّ كيف تتعلم السحر ضرر محض، وتعليمه كفر أكبر يخرج صاحبه عن الملة والعياذ بالله، فلا خير فيه ، واستدل لرأيه هذا بقوله عز وجل : ((وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ)) (القرة :102)؛ فأثبت ضرره ونفى نفعه. هذا إن كان السحر عن طريق الشياطين.

   أما إن كان عن طريق الأدوية، والأعشاب وغيرها، ففيه خلاف بين العلماء؛ فقال أحمدُ بن حنبل: الساحرُ الذي يركبُ المِكنسةَ، فتسيرُ به في الهواء، ونحوه؛ كالذي يدَّعي أن الكواكبَ تخاطبهُ، يكفرُ، ويقتلُ هو ومن يعتقدُ حلَّه، فأما الذي يسحرُ بالأدويةِ والتَّدخين، وسَقْيِ شيءٍ يضرُّ فلا يكفر، وإنما يعزَّرُ.

    وأشير هنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أن المسلمين أجمعواْ على أنه ليس من السحر ما يفعل الله عنده كإنزال الجراد، والقمّل، والضفادع، وفلق البحر، وقلب العصا، وإحياء الموتى، وإنطاق الصبي في المهد.

حالة جواز تعلم السحر :

ذكر ابن حجر في كتابه “فتح الباري “ سبب جواز بعض العلماء تعلم السحر في حالة ومنعه في حالة أخرى :

في الحالة الأولى: أجيز فيها تعلم السحر ليُمَيّز المتعلم بين ما فيه كفر وما ليس فيه كفر، أو إزالته للذي يقع فيه؛ ففي هذه الحالة ليس محظورا إلا من جهة الاعتقاد. ونسطر على قولنا من جهة الاعتقاد، وإذا سلم الاعتقاد فلا يستلزم ذلك منعاً، ونعطي مثالا على هذه الحالة؛ فالذي يَطَّلع ويَعْرف طريقة عبادة الأوثان مِنْ قِبَل الوثنيين من أجل الاكتشاف والعلم فلا بأس به، بشرط ألا يكون من أجل عبادة الأوثان والأصنام، فهذا الذي يَعلمه الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل، بخلاف تعاطيه والعمل به. 

وأما الحالة الثانية : فإذا كان هذا السحر لا يتم تعلمه إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلا، فلا يحق لأحد أن يبيح ما صرح الله تعالى بأنه ضرر، يضر ولا ينفع.

الحذر من قراءة كتب كيف تتعلم السحر :

  ولِيَحْذر الذين يقرأون كُتُبَ السحر وأرادوا أن يتعلموه لاتقاء شره وضرره، فربما يَجُرُّهم ذلك إلى أمور لا تُحْمد عقباها، فيستخدمونه في الشر عوض اتقاء شره؛ وخاصة حينما يسمع المتعلم أن هذا المجال يدرُّ أموالا طائلة، فيغويه الشيطان لأجل كسب المال من خلال هذا الجانب فينحرف عن قصده ونيته. وهذا خطر يهدد دينهم وإيمانهم. 

   وليعلم المتعلم والقارئ أن الشياطين التي يستعين بها الساحر غالبا ما تَنْقلب عليه، لتُذيقه وبال أمره، وتكون شرا عليه وعلى أولاده. فليحذر الناس من هذا الباب حتى لا يضيعوا دينهم وإيمانهم، واقرأواْ إن شئتم قول الله تعالى في سورة الجن ؛ (الآية : 6 ): ((وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادُوهُمْ رَهَقاً)) بمعنى أن الذي يستعين بالجن ينقلب عليه ويذيقه أنواعا من العذاب.

بشاعة أعمال الساحر:

والذي يتعاطى للسحر يقوم بأعمال يصعب حتى ذكرها لبشاعتها فتخرج صاحبها من الملة، لأن هناك عقداً بين الشيطان والساحر، و جوهر العقد: أن يكفر الساحر -والعياذ بالله- بأن يتقرب للشيطان بأبشع الأفعال كأن يَطْلب منه الجني الشيطان أن يَبُول على المصحف أو يمزقه، أو يلطخه بالنجاسة، أو يتكلم بكلمة الكفر؛ أو يتقرب إليه بشيء من العبادة التي هي من خصائص الله، وبهذه الأفعال وأشباهها يكفر الساحر ثم يعلمه الشيطان السحر، ويلبي له مطالبه ، نسأل الله السلامة والعافية .. ولذلك أنصح جميع القراء أن يتنبهواْ لهذا الأمر فهذا المجال تحومه المخاطر والمنزلقات والمغريات.

نتيجة العمل بالسحر:

  تكون الأضرار الناجمة عن العمل بالسحر كثيرة، سواء تعلق الأمر بالمسحور أو  بالساحر، فالذي يبحث عنه الساحر مثلا والذي هو الغنى والتمتع بالحياة السعيدة فهو ذلك الشيء الذي لن يراه أبدا في حياته، وسيموت فقيرا لا يملك شيئا، فتصيبه الأمراض المستعصية، ويصبح عبرة في آخر حياته للآخرين.

 والملاحظ بالتجربة أن الذي يتعاطى للسحر لا يأتي بنفسه وأهله إلا الضرر والفقر، كما تلحقه لعنة الله في آخر حياته، فلا يخفى على أي أحد أضرار السحر على الساحر والمسحور وغيرهما. علما أن الساحر لا يستطيع أن يضرر أحدا إلا بإذن الله.

الخلاصة:

وخلاصة القول: إن العلماء اختلفوا في تعلم السحر واستعماله إلى رأيين: فالرأي الأول قال به أحمد بن حنبل و أبو حنيفة ومالك بن أنس : قالوا يكفر بذلك.

 والرأي الثاني لأصحاب أبي حنيفة حيث قالوا: إذا تعلمه الشخص ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر، أما إن تعلمه يعتقد جوازه أو يعتقد أنه سينفعه  فذاك كفر بلا شك، إلا أن الصواب ما ذكره الجمهور سداًّ للذريعة.

اقرئ أيضا :

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستحدم يبدو ان متصفحك يستخدم احد ادوات منع الاعلانات برجاء اغلاق هذه الاداة او ضع موقعنا على القائمة البيضاء لديك